الكاتب: فرحان الحسبان – محامي وباحث

Abdel Hameed Al Nasier​/ILO

من المهم النظر إلى الطرق التي يتم بها تنظيم عمل الرعاية غير مدفوع الأجر في الأردن، ومدى ونوعية العمل الرعائي وأثره على النساء والمجتمع. ولا بدّ من الارتكاز على استمرار عدم المساواة بين الجنسين في الأسر وسوق العمل، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأعمال الرعاية، إذ يجب التغلب على أوجه عدم المساواة بين الجنسين لضمان مستقبل عمل لائق لكل من النساء والرجال. وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أن لأعمال الرعاية أثر كبير على سياسات الحماية الاجتماعية يجب أخذه بالحسبان.

المرأة الأردنية ما بين العمل الرعائي وغياب الحماية الاجتماعية

لا تزال المرأة في المنطقة العربية تواجه مخاطر متصاعدة في كثير من القضايا كمحدودية الوصول إلى التعليم والنقص في الخدمات والتغطية الصحية. ومع انخراطها الكبير في عمل الرعاية غير مدفوع الأجر، ترتفع معدلات الفقر بين النساء وتزداد أوجه الهشاشة الاجتماعية بينهنّ وتأثّرهن عند التقدم في السنّ نظراً لإقصائهنّ من نُظم الحماية الاجتماعية الكافية والمناسبة والتي غالباً ما تعتمد على التوظيف.

من أهم أسباب عدم تمتّع العديد من النساء الأردنيات بالحماية الاجتماعية الكاملة أو الجزئية، تدني ملكيتهنّ للأموال غير المنقولة من شقق وأراضي ما يزيد من فقرهنّ وعدم قدرتهنّ على دفع مساهمات برامج الضمان الاجتماعي. كما أنّ عدم انخراطهنّ في سوق العمل وضعف مشاركتهنّ الاقتصاديّة وكونهنّ يواجهن كعاملات مثل الفجوة في الأجور بين الجنسين والعمل في القطاع غير المنظم، يجعلهنّ أكثر هشاشةً و – في الوقت نفسه – حاجةً للحماية الاجتماعية. 

كثيراً ما تتحمل المرأة أعباء أعمال الرعاية التي تُعرّفها منظمة العمل الدولية على أنها “تتألف من أنشطة وعلاقات تنطوي على تلبية الاحتياجات المادية والنفسية والعاطفية للبالغين والأطفال، وكبار السن والشباب، والضعفاء والقادرين جسدياً.”[1] يمكن لأعمال الرعاية أن تكون غير مدفوعة الأجر، كما في حالة العمل المنزلي حيث تشمل في العادة رعاية الأشخاص مباشرة أو الإشراف عليهم لا سيّما الأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة بشكل أساسي. ويمكن للعمل الرعائي أن يكون مدفوع الأجر كما في عدة قطاعات كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. ومع العلم بأن المرأة ضحية لهذين النوعين من أعمال الرعاية، إلّا أنّ المشكلة الأساسية تكمن في كون النوع الأول لا يُنظر إليه على أنّه “عمل” إذ يعرّف معيار “الشخص-الثالث” العمل على أنه: نشاط يجب تعويض شخص ثالث مقابل القيام به، ممّا يجعل هذا السلوك يندرج ضمن مرتبة العمل.

إنّ المشاركة الاقتصادية للنساء في الأردن متدنية جداً في القطاعين العام والخاص بالنسبة لبقية العالم. فهي لا تتجاوز 15٪ حيث تشكّل المرأة الأردنية 85٪ فقط من السكان غير النشطين اقتصادياً، فيما يصل المعدل العام للمشاركة الاقتصادية للمرأة على المستوى العالمي إلى 50٪. أما فيما يخص نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في القطاع الخاص تحديداً، فهي متدنية جداً، إذْ لا تتجاوز 14٪ بينما تصل في القطاع العام إلى 37٪. وهذا مقابل نسبة مشاركة الرجال في سوق العمل التي تتجاوز الـ 54٪ بحسب بيانات دائرة الإحصاءات الأردنية.[2]يضع ذلك الأردن في المرتبة 135 من بين 144 في العالم من حيث مشاركة المرأة في القوى العاملة، وهي مرتبة أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 37.9% في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وفقا لمنظمة العمل الدولية، على الرغم من ارتفاع مستوى التعليم الذي وصلت إليه المرأة الأردنية والانفتاح التكنولوجي والمعرفي أمامها. يعكس هذا الأمر تدنّي نسبة النساء المشتركات في الضمان الاجتماعي والتي تتجاوز 28.9٪ من إجمالي المشتركين الفعليين، ما يشكّل فجوة كبيرة تتطلّب من كافة الجهات المعنية إيجاد الحلول اللّازمة لمعالجتها من أجل تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل ودعم دورها في تنمية الاقتصاد الوطني.

ونتيجة لذلك، فإن النساء في الأردن لا يتمتعن بالحماية الاجتماعية من رواتب تقاعدية وتأمينات صحية، وأن من شملتهن الحماية الاجتماعية يتمتعن بمستوى وقدر أقل مما يتمتع به الرجال، كما أن أعمال الرعاية والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر والتي تقوم بها النساء، تكون على حساب فرص العمل مدفوعة الأجر المتاحة لهنّ، إضافة الى أنّ الكثير من النساء يعملن في القطاع غير المنظم الذي يفتقر إلى العديد من أشكال تغطية الحماية الاجتماعية.[3]

خصوصية الأردن في إطار المنطقة والعالم: تحدّيات وعوائق

يدعو إطار العمل الخماسي لمنظمة العمل الدولية الخاص بعمل الرعاية اللائق إلى إجراءات تحوّلية في مجالات السياسة الخاصة بالرعاية والاقتصاد الكليّ والحماية الاجتماعية والعمل والمساواة والهجرة وأخيراً البيئة، حيث يوصي الإطار بضرورة التعرّف على أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وتقليلها وإعادة توزيعها، وتوفير العمل اللائق لمقدّمي الرعاية، وضمان التمثيل والحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية للعاملين في مجال الرعاية. وكذلك تُظهر دراسة أجراها الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC) والتي تم إطلاقها في 29 أكتوبر 2022، مشيرةً إلى أن الاستثمار في اقتصاد الرعاية يمكن أن يشكّل حافزًا اقتصاديًا قويًا لخلق فرص عملٍ مع استرداد هذا الاستثمار من خلال ارتفاع الإيرادات الضريبية.[4]

ومـن الملاحـظ وجـود ترابـط بـين انعـدام المسـاواة بين الجنسـين في أعمال الرعايـة غير مدفوعـة الأجـر كما في القـوى العاملـة. فلزيـادة المشاركة الاقتصادية للمرأة يجـب التصـدي لأوجـه انعـدام المسـاواة بتوزيـع أعمال الرعايـة غير المدفوعـة على كلا الجنسين. ويبدأ ذلك بالاعتراف الفعّال بأعمال الرعايـة غيـر مدفوعـة الأجـر على “عمل” قبل محاولة تقليصهـا وإعـادة توزيعهـا بين المرأة والرجل كما بين العائلات والدولـة.[5]

وعلى صعيد حقوقي هام، أشار تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2015 والذي حمل عنوان “التنمية في كل عمل،” والصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الى أن العمل غير مدفوع الأجر الذي تقوم به النساء يشمل ضروريات الحياة اليومية للأسر كالتنظيف والطهو وغيرها، إلا أن جزءاً كبيراً منه يتعلق برعاية الأطفال (2 مليار طفل آنذاك) ورعاية المسنين والمسنات (120 مليون مسن/مسنة فوق 80 عاماً آنذاك) ورعاية ذوي وذوات الاحتياجات الخاصة (مليار شخص آنذاك) ورعاية المرضى (وأعدادهم كبيرة، منهم 37 مليون مريض/مريضة بمرض الإيدز آنذاك). كلّها أعمال غير مدفوعة الأجر ولا تتوزع فيها المسؤوليات بالتساوي بين الرجال والنساء اللواتي يتحملن الجزء الأكبر من هذا العبء رغم أهمية تلك الخدمات في مجال التنمية البشرية. وهذا ما يشكّل عائقاً جدّياً أمام قيامهنّ بالأعمال مدفوعة الأجر ويأخذ حيزاً كبيراً من الأوقات اليومية الحرّة المخصصة لراحتهنّ ورفاههنّ.[6] وبالتالي، فإن المسؤولية عن الرعاية غير مدفوعة الأجر تشكل عاملاً قوياً في نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، خاصةً بعد الزواج.

وكما يعيق عبء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر حصول النساء على فُرص اقتصاديّة، يُساهم بالتالي مباشرةً في تأنيث الفقرِ، حيث أن الوقت الذي تقضيه النساء في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر يحول دون حصولهنّ على فُرص تنمية القدرات والمشاركة في الحياة العامة والوصول إلى فضاءات صنع القرار والأهم تأمين سبل العيش.

على الصعيد العالمي، تقضي المرأة أيضاً وقتاً أكبر في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر مقارنة بالرجل؛ فتمضي في المتوسط ساعتين و28 دقيقة إضافية عن الرجل لكلّ 24 ساعة في اليوم في تلك الأعمال. أما في الدول العربية، فيُقدّر الباحثون أن المرأة تؤدّي أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر بما يزيد عن 4.7 مرّات عن الرجل، وهي النسبة الأعلى من النساء إلى الرجال عالميّاً. وفي الأردن تحديداً، وصل الوقت المحتسب الذي تقضيه المرأة مقارنة بالرجل في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر إلى 19.1، وهي النسبة الأعلى بين الدول العربية.[7]

الحلول والآفاق

أكدت دراسة تحليلية حملت عنوان “قيمة أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها المرأة في الأردن”[8] والتي أعدتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، إن قوانين الحماية الاجتماعية في الأردن لا تدعم مقدّمي الرعاية بالشكل الكافي ولا تشجّع على التوزيع المتساوي لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر بين الرجال والنساء، مؤكّدة ضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات التي تساعد في اعادة توزيع الادوار على الذكور والاناث مقدمي الرعاية. فيما يطرح الخبراء الدوليون فكرة تسليع أعمال الرعاية على أنها حلّ محتمل، بحيث يتم اللجوء إلى نهج قائم على حقوق المرأة فيما يتعلق بأعمال الرعاية والتحقيق في العوامل التي وضعت النساء مبدئياً في مكانة الراعي الأول والمجاني وكذلك في الحلول الممكنة لهذا المأزق. قد لا تكون فكرة تسليع أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر حقوقية بشكل كافٍ، إلّا أنّها تدرك أهمية توعية صانعي السياسات بالقيمة السوقية التي تجلبها هذه الأعمال للبلد. ولتحقيق هذه الغاية بطريقة أخرى، فإن محاولة تغيير الأعراف الاجتماعية وإجراء تغييرات وتعديلات على التشريعات ذات الصلة هما التوصيتين الأكثر إلحاحاً الآن. كما أن إجراء المزيد من الأبحاث حول واقع حياة النساء باعتبارهّن يقدّمن الرعاية دون أجر من شأنه توفير الأساس اللازم لسنّ السياسات اللازمة من أجل إحداث مثل هذا التحول.[9]

أمّا بالنسبة للتوصيات الأخرى القابلة للتطبيق على صعيد السياسات والقوانين الأردنية، فنقترح الآتي:

  • الاعتراف بأعمال الرعاية على أنواعها وتقليل العبء الذي تكبّده للنساء من خلال إعادة توزيع المسؤوليات المرتبطة بشكل أكثر إنصافًا بينهنّ والرجال، وبين الأسر والدولة والقطاع الخاص.
  • ضمان تمثيل الأشخاص القائمين بأنشطة الرعاية في صنع القرار وفي المناصب القياديّة.
  • تقديم منح اجتماعية شاملة لمقدّمي الرعاية ومن لديهم مُعالون للتخفيف من بعض الأعباء المصاحبة لرعايتهم.
  • توفير خدمات الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة المدعومة من الحكومة (كرعاية الأطفال) للمُعالين من الأطفال، وخدمات التمريض للمُعالين من ذوي الاحتياجات الخاصة والمُعالين المصابين بأمراض مزمنة شديدة والمُعالين من فئة كبار السن.
  • إصلاح سياسات الإجازات الحالية لتشمل إجازة والدية (أمومة وأبوة) متكافئة ومدفوعة الأجر بالكامل وغير قابلة للتحويل لجميع الآباء والأمهات، بالإضافة إلى تضمين إجازة الأبوة في السياسات الوطنية لتكون بمثابة إجازة متمّمة لإجازة الأمومة، لا بديلة عنها، فضلاً عن تمديد هذه الإجازة إلى ما بعد الأشهر الأولى من ولادة الطفل.
  • تضمين قياسات منهجية لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر للمرأة (المباشرة وغير المباشرة) في الإحصاءات الوطنية وإجراء تقييم كمّي لهذه الأعمال من حيث المساهمات في الناتج المحلي الإجمالي.

تستهدف التوصيات المقدمة أعلاه أربع جهات فاعلة رئيسية: الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات المانحة، و تعتبر أن سد الفجوات في سياسات الرعاية يساهم في بناء سياسات حماية اجتماعية مراعية للواقع الذي تعيشه النساء وهو ما من شأنه الحد من مستويات الفقر المنتشرة بينهن ومن أوجه عدم المساواة بين الجنسين، والدفع بعجلة التنمية المستدامة إلى الأمام.


[1] تعريف العمال الرعائية، تقرير الرعاية في العمل، منظمة العمل الدولية، ٢٠٢٣،  https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—arabstates/—ro-beirut/documents/publication/wcms_872305.pdf

[2] إحصاءات المرأة الأردنية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعام 2021 أن نسب المشاركة الاقتصادية للنساء خلال الربع الثاني من عام 2022 

https://portal.jordan.gov.jo/wps/portal/Home/OpenDataMain/OpenDataUser/#/manageDataSets

[3]
ورقة موقف – أرضيات الحماية الاجتماعية للنساء العاملات في المشاريع الصغيرة، جمعية معهد تضامن النساء الأردني، ٢٠٢١، https://www.sigi-jordan.org/article/5268

[4] بيان مشترك لمنظمة العمل الدولية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، منظمة العمل الدولية، ٢٠٢٢، https://www.ilo.org/beirut/media-centre/statements/WCMS_859784/lang–ar/index.htm

[5] تقرير أعمال الرعاية ووظائف الرعاية من أجل مستقبل العمل اللائق، منظمة العمل الدولية، ٢٠١٨، https://2h.ae/VxbX .

[6] تقرير التنمية البشرية: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2015 (التنمية في كل عمل)، المجلة المصرية للتنمية والتخطيط.

[7] ورقة سياسات: قيمة أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها المرأة في الأردن، النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، ٢٠٢٢، https://2h.ae/Dpci

[8] إعادة توزيع أعمال الرعاية في الأردن: إنفاذ إصلاحات السياسات، منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ٢٠٢٢، https://2h.ae/SyHJ

[9] ورقة سياسات: قيمة أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها المرأة في الأردن، مرجع سابق.

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.