إسراء رحمه، مهندسة كيميائية مهتمة بالسياسات العامة والاقتصاد السياسي

غالبا ما يحال الربط بين البيئة والمرأة لبداية المجتمع الأمومي وكيفية إرتباط النساء بالأرض والطبيعة وانبثاق الحياة مع المرأة والتعهد بحمايتها ورعايتها وتنميتها كاكتشاف المرأة الزراعة والرعي واكتشاف الرجل القنص. عالمة الفيزياء الهندية فاندانا شيفا ساهمت في صياغة مفهوم النسوية البيئية (Ecofeminism) وأوضحت التماثلات بين اختزالية العلم الغربي وبين التطور الرأسمالي من حيث إن كلا الطرفين يشتركان الإستغلال، العلم يستغل الطبيعة ويحيلها إلى طرف سلبي، والرأسمالية تستغل المرأة وتحيلها إلى طرف سلبي.[1] أوضحت فاندانا كيف أن التطور الرأسمالي الذي يعني بالربح السريع فقط يبخس قيمة المرأة والطبيعة وشعوب العالم الثالث كقضاءه على غابات واسعة أو الاستغلال الصناعي للعمال والمخلفات الكيميائية أو تحول للإنتاج الليبرالي في مجتمعات الزراعة الصغيرة وفقدهم للسيادة الغذائية ومن ثم خلق جوع وتحكم بإنتاجهم لصالح التصدير لدول شمال العالم .

إذا يكمن مربط الفرس في السيطرة على النساء والسيطرة على الطبيعية، مما أدى إلى مشكلة البيئة بحيث أن اقتلاع هذا الجذر – أي اقتلاع مركزية العقل الذكوري – هو تحرير المرأة من حيث هو الحفاظ على البيئة، وهو أيضا تحرير شعوب العالم الثالث من نير الاستعمار والإمبريالية.[2]

تبلغ معدلات نمو سكان الحضر في السودان في المتوسط 5.2-3 ويظل القطر في أغلبه ريفا إذ يسكن حوالي 30% فقط من السودانيين في المناطق الحضرية. يجب الأخذ في الاعتبار الحرب والنزاعات الاخيرة في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات التي لازمها موجة نزوح قسري للارياف ومدن الولايات مما يزيد معدلات سكان الريف.

حسب منظمة الفاو أكثر من 70 %من السودانيين يعملون في القطاعات الطبيعية، تتمثل في الزراعة حوالي 49% وغالبيتهم من النساء، وهنالك قطاعات الرعي وتمثل المرأة الرعوية 20%من مجتمع النساء، وهنالك الصيد والتعدين وصناعة الفحم وجمع النباتات البرية الطبية والعطرية.

الريف الزراعي السوداني لا يزال يعتمد على الزراعة التقليدية بإختلاف انواعها مطرية او مروية اذا كانت اغلبية تعداد العاملين في الزراعة هن من النساء هذا يجعلنا نتساءل أين وضعهن من حيث الوصول للأرض وامتلاكها وأين هن في عملية الإنتاج الزراعي والوصول للأسواق ،كذلك الحقوق التقاطعية المتعلقة بالخدمات التعليمية والصحية وغيرها؟

تختلف اوضاع النساء والأرض باختلاف المشاريع الزراعية التي يعملن بها، باختلاف أنواع المجتمع الريفي وخصوصيته المجتمعية والتاريخية التي تؤثر على واقع النساء والفتيات .

في تجمع ملّاك مشروع الجزيرة تلتفت إحدى القيادات النسوية زينب إلى الصوت المفقود في النقاش الدائر حول المشروع (عمال المشروع المأجورين الذين لا أراضي لهم والذين يعرفون باسم عمال الكمبو وغالبيتهم العظمى من النازحين من الجفاف والحرب في غرب البلاد). زينب من المناهضين لقانون مشروع الجزيرة 2005 والذي يحدد ملكية أراضي المشروع مما يتيح للدولة بيع جزء كبير من أراضي المشروع بالإضافة لمنح تلك الحرية لمالك الأراضي مما يفتت وحدة المشروع.[3]  ان دراسة تحولات الملكية ومكانة الأرض أمر في غاية الأهمية فالنساء في الاغلب يُستبعدن من حق الوصول المباشر لملكية الأرض مما يؤثر في فرصهن الاقتصادية والنفاذ للموارد وعلينا التفكير في عالقة ذلك بالعنف المنزلي والأمان الاقتصادي مثلا، ففي قريتي هنا التابعة لمشروع الجزيرة كأحد أكبر المشاريع الزراعية غالبية الوصول لملكية الأرض يهيمن عليه الرجال بالرغم من أن النساء والرجال يعملون على حراثة وتحضير وزراعة وحصاد الموسم سويا. لهذا علاقة بالحالة التاريخية باعتباره مشروع استعماري. وتقسيم الأرض كان عن طريق النفاذ للموارد المالية والسلطوية في ذلك الوقت هناك عدد يسير من النساء يمتلكن اراضي زراعية بالوراثة أو بعضهن بالشراء، والأغلبية الكبرى يعملن كعاملات يومية بأجر قليل أو بدون أجر في مزارع االسرة أو تأجير أرض (دنكيت) او يزرعن الأراضي بشراكة مع احد الرجال ملاك الأرض. هن بمجهودهن البدني يقمن بجميع المراحل من زراعة المحصول إلى الحصاد والرجل المالك يساهم بالأرض ونهاية الموسم يقتسم المحصول بين مالك الأرض والشريك. من المهم الخوض في تحليل الوضع الإجتماعي للنساء حول من يمتلك سلطة القرارات المالية واتخاذ القرار؛ او ماهي الفروق والكيفية بين أنفاق الرجال والنساء للمدخول من الإنتاج الزراعي.

فبينما تنتج النساء بأنفسهن في الحقول، في اغلب الريف هذا لا يجعلها مالكة لقراراتها في الصرف والسيطرة على موارد الأسرة. في أغلب العمل الريفي الزراعي النساء يعملن في الأرض مع الرجال ويشاركن في الأعمال والقرارات المزرعية أثناء العملية الزراعية. المرأة في الريف تمثل تراكم للثروة ورغم قيامها بالعمل الشاق فهي اليد العاملة ولكن نصيبها قليل من هذه الثروة، فبينما بعد الحصاد يدخل الرجال السوق لبيع المحصول كل فترة وأخرى، النساء لا يتوقفن بمجرد الحصاد فهن يساهمن طوال عمليات الإنتاج بالاقتصاد المنزلي وتدبر الحصول على الغذاء من محصول الأرض. علينا تأمل مثلا كيف يقمن النساء بتجفيف الخضروات والطماطم والويكة والصلصة وغيرها لاعانتهن في إعداد الطعام والطبخ ومنظومة الغذاء في الريف وكذلك يلعب التدبير الزراعي الذي يقمن به أدوار مادية فبعض منهن يقمن بتجفيف البامية (الويكة) مثلا لأغراض البيع. علينا طرح العلاقة المركبة بين المجتمع والاقتصاد والسوق.

يتم تدبير الغذاء عبر النساء اللاتي يقمن هن في اغلب فدادين الزراعة بإقتطاع جزء يسير لتدبير أمر زراعة محصولات للبيت والغذاء كالبامية والكركدي او تحويل الفول السوداني لزيت او منتج الدكوة الذي يعين في إعداد العديد من الأطعمة والأطباق ، لذلك من المهم للباحثين والسياسين كمثال الالتفات إلى العلاقة الابعد من الشكل النفعي للإنسان الاقتصادي (Homo economics)  كمفهوم المنفعة غير المباشرة الذي قدمه آلان كالية. فتدبر النساء من الأرض للمنزل هذا يحقق الامان الغذائي وصناعة التجفيف لها عالقة أيضا بالسيادة الغذائية ومكانة النساء في تحقيقها .

بالرجوع لمفهوم النساء والأرض يعمل داعمو السياسات النيوليبرالية على تسليع الأرض ومدخلات الإنتاج الزراعي كالبذور والأسمدة ويزعمون أنه لا يوجد بديل ، ولكن هناك العديد من البدائل والحلول التي تنطلق من المجتمعات ذاتها ولن يتحقق ذلك دون النظر لواقع الإنتاج الزراعي وعالقة النساء بة كعلاقة محلية من الدولة والإطار الأكبر العالمي. ان هذا الاستحواذ العالمي علي الأرض والموارد يعزز التبعية والهيمنة ويخلق نوع استعمار جديدة.

في السودان والذي يعتبر بلد زراعي لا زلنا حتى الان بحاجة لخوض نقاشات بسيطة تتعلق بطبيعة وأداء الاقتصاد بأكمله والسيادة الشعبية، وعلاقتها بالديمقراطية وكيف أنها تتقاطع بالعدالة القائمة على إعادة التوزيع، والتغيرات المناخية للأرض كتصحر الأراضي وتأثيره في الزراعة و الارتفاع الحاد في درجات الحرارة وتاثيره على كمية الإنتاج الزراعي والتكيف والتأقلم الصعب الذي يقوم به السكان المحليين، والمبادرات المطلبية كالتعاونيات ونفير الحصاد واتحادات المزارعين والنقابات الزراعية التي يقوم بها العاملون على الأرض والنساء بشكل خاص والبلد يمر بنزاعات مسلحة ويعتمد معاشهم على الزراعة. يبقى أثر العدالة الإجتماعية محبط وبالأخص لمن يعتمدون عليها في سبل كسب عيشهم.

يعاني السودان بما يسمى بالمرض الهولندي من مسبباته أرباح الموارد الطبيعية وتدفقات المساعدات الأجنبية وأثر هذا على  النزاعات والعمل على االرض، كما يعاني من أثر التدفق للنزوح الداخلي على الارض وكذلك اثر العائدين من النزوح والعودة الطوعية. أن إزالة الغابات و تدهور الأراضي في بعض الأحيان سبب في حدوث صراعات. يؤثر تدهور الأراضي سلبياً على الأمن الغذائي وعلى دخل سكان الريف، وتزداد أحوال النساء سوء على نحو غير متناسب نظراً لان ندرة الحطب والمياه تزيد من عبء العمل الذي يقع على عاتقهن ، وفي المناطق المتأثرة بالصراع يظل تدهور الأراضي سببا رئيسياً للعنف ضد المرأة والتي تتعرض لاعتداءات والعنف الجنسي عندما تغامر بالابتعاد عن منزلها بحثا عن الماء وحطب الوقود.[4]

تمثل الزراعة ٪32 من الناتج الاقتصادي للبلاد.[5] وان كانت نسبة المزارعين ٪49 والأغلبية نساء ونسبة مساهمة المرأة السودانية في الزراعة 82 %، فلماذا لا ترد مساهمتهم الإقتصادية في شكل حماية اجتماعية كحقوق تعليمية وصحية وخدمات وضمان حدّ ادنى للدخل؟ تعاني نساء السودان فقر وأمية ونسبة مهولة من الفتيات خارج التعليم و ينقطعون عن الدراسة حيث تتسع الفجوة بين تعليم الإناث والذكور ، بالإضافة تدني الوضع الصحي وانعدام قرب المنظومة الصحية والمستشفيات في الأرياف والوفيات المرتفعة للأمهات والأطفال والمجاعات وارتفاع مستوى الفقر الريفي.

على الباحثين اذا الالتفات مثلا لبحوث حول الفرق بين معاملة الأطفال الإناث والذكور بقرار من الجنسين يكمل التعليم مثلا أو قرار تزويج الفتيات الصغيرات يؤثر على المساواة او العمل غير المأجور والتقسيم الجندري فالنساء هن الركيزة الاساسية في العمل المزرعي بالإضافة لتحمل العبء المنزلي ، فبالتأكيد حين يكون هنالك نقص في الموارد فالنساء والفتيات هن الأكثر تضررا في الأسرة. أن النساء في القرى والريف والعاملات على الأرض أكثر ضررا من نموذج التنمية الذي لا يراعي السكان المحليين ولا يقدر معرفتهن المحلية بالأرض والتهميش القانوني إمكانية توسيع اعمالهن الزراعية وتصدير المنتجات للخارج او التدريب والتكنولوجيا ومتطلبات الإنتاج الزراعي، وغيرها من الخدمات الحاسمة التي تلزمها لإدارة أراضيهن بنجاح في المحصلة أن حقوق النساء في الريف هو حماية الأسرة من الفقر والعنف وضمان حياة أفضل للأطفال، بعيدا عن نموذج التنمية الذي يستخرج ونهب الموارد الطبيعية ما اسمتة ناوومي كالين “مناطق التضحية” يقيم بها أشخاص تم التضحية بأجسادهم وصحتهم وأراضيهم ومياههم من أجل الحفاظ على رأس المال.

إن التفكير في حياة الفلاحات وعلاقة النساء بالأرض في الريف يعتمد على العدالة البيئية والاجتماعية معا لتحقيق احتياجات نساء الريف الصامدات واحداث تغير اجتماعي ولن يتحقق ذلك دون إعادة النظر للسياسات الزراعية للدولة كرفع الإنتاجية وتخفيف حدة الفقر والحالة التغذوية، لا بد ان ينظر اليه عبر أنماط معقدة من القرارات الاقتصادية والاجتماعية وان هنالك شبكات انتاجية واجتماعية أوسع، في ظل وضع منهجية تضع اعتبار للنساء منتجات غذائنا الفلاحات وعاملات الزراعة نرى بوضوح أن عملية الغذاء وإنتاجه هما قضية سياسية بامتياز. إذن يتطلب الأمر نقاشات واسعة حول بنيات السلطة غير العادلة ومن ثم الحاجة لتحليل تقاطعي يستصحب الطبقة والعرق والجندر والجغرافيا وغيرها. 

لا بد من تقدير مساهمة المرأة الاقتصادية واخراجها من الترابطات التقليدية والابوية، والاستيعاض عن ذلك باعطاء المرأة حقها في الحماية الاجتماعية إذ – بالاضافة لطابعها الحقوقي – قد تكافئ المرأة ولوجزئيا على انتاجها الاقتصادي في الزراعة والرعاية وغير ذلك من الأنشطة وقد يعوض المرأة عن القواعد والظروف المجتمعية المجحفة. 


[1] يمنى طريف الخولي، النسوية وفلسفة العلم، مؤسسة هنداوي، 2018. 

[2] يمنى طريف الخولي، النسوية وفلسفة العلم.

[3] انظر ميسون النجومي، “طوعنة النسوية”، مطبوعة اختيار غير دورية، العدد 2، 2015، (17-21)، متاح على https://shorturl.at/eCczs 

[4] برنامج الأمم المتحدة للبيئة وآخرون 2013

[5] البنك الأفريقي للتنمية 2022

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.