ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحقّ في الضمان الاجتماعي في المادة 22، وكذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة 36. ورغم أن معظم الدول العربية قد وقّعت على المعاهدات اللّاحقة، مثل المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102، إلّا أنّ البلدان العربية لا تزال تعاني من ندرة وضعف الحماية الاجتماعية، ما يشكّل مشكلة مشتركة بين العديد من بلدان عالم الجنوب. وبدلاً من أن يُنظَر إلى الحماية الاجتماعية في هذه البلدان على أنّها حقّ يقع تحقيقه ضمن المسؤوليات الأساسية للدولة، اقتصر هذا المفهوم في الكثير من الأحيان على إطار الإغاثة الإنسانية أو ال”خدمة”. وفي أفضل الأحوال، تقتصر نُظُم الحماية الاجتماعية في دولنا على شبكات الأمان الاجتماعي الصغيرة والتي لا تتّسم بالاستباقية ولا بالشمولية ولا بالتكاملية. وبالطبع، فإنها غير كافية وتتّبع ممارسات سطحية. والأسوأ من ذلك هو أن مخططات الحماية الاجتماعية الحالية تعتمد إلى حد كبير على المساعدات الخارجية، والتي غالبًا ما تأتي على شكل ديون وتقودها في أغلب الأحيان جهاتٌ فاعلة غير حكومية أو عابرة للحكومات. هذا الأمر هو ما يُضعف العقود الاجتماعية الهشة أساساً في بلداننا. لقد اكتسب الضمان الاجتماعي إهتماماً متزايداً باعتباره حقاً للجميع في ضوء الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتكررة مؤخراً، لا سيما جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا وموجات النزاع المسلّح التي تجتاح المنطقة العربية والتحوّلات الرقميّة السريعة والتدهور البيئي المتسارع، إذ كلّها عوامل تُراكِم الأعباء الاقتصادية على شرائح كاملة من المجتمع في المنطقة ممّا يجعلها هذه الفئات عرضة للخطر.

أنشأت مبادرة الإصلاح العربي في السنوات الثلاث الماضية برنامجاً لإنتاج الأبحاث وعقد الندوات وإجراء حملات المناصرة لتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية وجعلها أكثر شمولاً وفعالية واستدامة. وقد تُوّجت جهود هذا البرنامج بإنشاء ملتقى المنطقة العربية للحماية الاجتماعية الذي يضمّ جماعة الممارسة والمعرفة العاملة على هذا الموضوع في المنطقة من أجل الخروج برؤية أكثر تنسيقاً وحشد كتلة نقدية قادرة على إحداث التغيير، الأمر الذي يساعد على إحداث تأثير أقوى على السياسات. وقد كان شعار البرنامج والملتقى منذ البداية: “الحماية الاجتماعية هي حقّ من حقوق الإنسان كما أنّها حقّ اجتماعي-اقتصادي وتجليّ أساسي للعقود الاجتماعية التي تربط المواطنين والمقيمين بدولهم”. وقد أنتجنا خلال السنوات الثلاث الماضية ثروة معرفية حول السياسة والاقتصاد السياسي للحماية الاجتماعية في المنطقة، وتشريع الحماية الاجتماعية كحقّ، والبدائل الممكنة لتمويل نظم حماية اجتماعية أكثر شمولاً بعيداً عن الاستدانة وتداعياتها، وكذلك حول كيفية خلق إرادة سياسية لتحقيق الضمان الاجتماعي الشامل بشكل فعال، على الرغم من التحديات الحوكماتية المؤسساتية التي ينطوي عليها.

وفي هذا السياق، وبمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنظم مبادرة الإصلاح العربي حلقة نقاشية بعنوان “المسارات المقبلة من أجل تفعيل الحقّ في الحماية الاجتماعية: رؤى من المنطقة العربية”. ستكون مدّة هذه الجلسة ساعتين (متّخذة شكل محادثة تفاعلية شبيهة لمحادثات دافوس) وستضمّ كبار الباحثين والناشطين من المنطقة بالإضافة إلى خبراء دوليين رئيسيين لاستكشاف التطورات الأخيرة في المنطقة العربية، مع موضعة النقاش ضمن التحديات والفرص السائدة حالياً في المنطقة العربية سعياً لإحقاق الحقّ في الحماية الاجتماعية فعلياً في دول عالم الجنوب.

لمشاهدة الويبنار: اضغط هنا

Comments are closed, but trackbacks and pingbacks are open.